فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا} هذا في المنافقين.
وأصل {لقوا} لقِيُوا وقد تقدم.
{وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} الآية في اليهود، وذلك أن ناسًا منهم أسلموا ثم نافقوا، فكانوا يحدّثون المؤمنين من العرب بما عُذِّب به آباؤهم؛ فقالت لهم اليهود: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} أي حكم الله عليكم من العذاب، ليقولوا نحن أكرم على الله منكم، عن ابن عباس والسُّدِّي.
وقيل: إن عليًّا لما نازل قُرَيظة يوم خَيْبر سَمع سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف إليه وقال: يا رسول الله، لا تبلغ إليهم، وعرَّض له؛ فقال: «أظنك سمعت شتمي منهم لو رأوني لكفّوا عن ذلك» ونهض إليهم، فلما رأوه أمسكوا، فقال لهم: «أنقضتم العهد يا إخوة القردة والخنازير أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته» فقالوا: ما كنت جاهلًا يا محمد فلا تجهل علينا، من حدّثك بهذا؟ ما خرج هذا الخبر إلا من عندنا روي هذا المعنى عن مجاهد.
قوله تعالى: {وَإِذَا خَلاَ} الأصل في {خلا} خَلَوَ، قُلبت الواو ألفًا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ وتقدّم معنى {خلا} في أوّل السورة.
ومعنى {فَتَحَ} حَكَم.
والفتح عند العرب: القضاء والحُكم؛ ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} أي الحاكمين.
والفَتَّاح: القاضي بلغة اليمن؛ يقال: بيني وبينك الفَتّاح؛ قيل ذلك لأنه ينصر المظلوم على الظالم.
والفتح: النصر؛ ومنه قوله: {يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الذين كَفَرُواْ} [البقرة: 89]، وقوله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الفتح} [الأنفال: 19] ويكون بمعنى الفرق بين الشيئين.
قوله تعالى: {لِيُحَآجُّوكُم} نصب بلام كيّ، وإن شئت بإضمار أنْ، وعلامة النصب حذف النون.
قال يونس: وناس من العرب يفتحون لام كي.
قال الأخفش: لأن الفتح الأصل.
قال خلف الأحمر: هي لغة بني العنبر.
ومعنى {لِيُحَآجُّوكُم} ليعيِّروكم، ويقولوا نحن أكرم على الله منكم.
وقيل: المعنى ليحتجوا عليكم بقولكم؛ يقولون كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه.
وقيل: إن الرجل من اليهود كان يلقى صديقه من المسلمين فيقول له: تمسّك بدين محمد فإنه نبيّ حقًّا.
{عِندَ رَبِّكُمْ} قيل في الآخرة؛ كما قال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31].
وقيل: عند ذكر ربكم.
وقيل: {عند} بمعنى في أي ليحاجّوكم به في ربكم؛ فيكونوا أحق به منكم لظهور الحجة عليكم؛ روي عن الحسن.
والحجة: الكلام المستقيم على الإطلاق؛ ومن ذلك مَحَجّةُ الطريق.
وحاججتُ فلانًا فحججته، أي غلبته بالحجة؛ ومنه الحديث: «فحجّ آدمُ موسى». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، إذا خلوا مع المنافقين، قال لهم المنافقون: أتحدثون المسلمين، بما فتح الله عليكم. والثاني: أنهم اليهود، قال بعضهم لبعض: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيكُم} وفيه أربعة أقاويل:
أحدها: بما فتح الله عليكم، أي مما أذكركم الله به، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: بما أنزل الله عليكم في التوراة، من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبعثه، {ليُحَآجُّوكم بَهِ عِنْدَ رَبِّكُم} رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وهو قول أبي العالية وقتادة.
والثالث: أنهم أرادوا قول يهود بني قريظة، حين شبههم النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم إخوة القردة، فقالوا: من حدثك بهذا؟ وذلك حين أرسل إليهم، علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهذا قول مجاهد.
والرابع: أن ناسًا من اليهود أسلموا، ثم نافقوا فكانوا يحدثون المسلمين من العرب، بما عُذِّبَ به آباؤهم، فقال بعضهم لبعض، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، وهذا قول السدي.
وفي وجهان:
أحدهما: بما علمكم الله.
والثاني: بما قضاه الله، والفتح عند العرب القضاء والحكم، ومنه قول الشاعر:
ألا أبلغ بني عُصُم رسولًا ** بأني عن فِتاحِكُم غنيُّ

ويُقَالُ للقاضي: الفتّاح، ومنه قوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنَا وَبَينَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89].
قوله تعالى: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم}، فَحُذِفَ ذكُر الكتاب إيجازًا.
والثاني: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم} فتظهر له الحُجَّة عليكم، فيكونوا أولى بالله منكم، وهذا قول الحسن.
والثالث: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُم} يوم القيامة، كما قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القيِامَةِ عِنْدَ رَبِّكُم تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31]. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَا لَقُواْ} جملةٌ مستأنفة سيقتْ إثرَ بيانِ ما صدر عن أشباههم لبيان ما صدرَ عنهم بالذات من الشنائع المُؤْيسةِ عن إيمانهم من نفاق بعضٍ وعتابِ آخَرين عليهم، أو معطوفةٌ على ما سبق من الجملة الحالية، والضميرُ لليهود لما ستقف على سره لا لمنافقيهم خاصةً كما قيل تحرّيًا لاتحاد الفاعل في فعلي الشرط والجزاءِ حقيقةً {الذين آمنواْ} من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {قَالُواْ} أي اللاقون لكن لا بطريق تصدّي الكلِّ للقول حقيقةً بل بمباشرة منافقيهم وسكوتِ الباقين، كما يقال: بنو فلان قتلوا فلانًا والقاتلُ واحد منهم، وهذا أدخلُ في تقبيح حال الساكنين أولًا العاتبين ثانيًا لما فيه من الدلالة على نفاقهم واختلافِ أحوالهم وتناقضِ آرائهم من إسناد القول إلى المباشرين خاصةً بتقدير المضافِ أي قال منافقوهم {آمنا} لم يقتصروا على ذلك بل عللوه بأنهم وجدوا نعتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التوراة وعلموا أنه النبيُّ المبشَّر به، وإنما لم يصرَّحْ به تعويلًا على شهادة التوبيخِ الآتي: {وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ} أي بعض المذكورين وهم الساكتون منهم أي إذا فرَغوا من الاشتغال بالمؤمنين متوجِّهين ومنضمَّين {إلى بَعْضِ} آخرَ منهم وهم منافقوهم بحيث لم يبقَ معهم غيرُهم، وهذا نصٌّ على اشتراك الساكتين في لقاء المؤمنين كما أشير إليه آنفًا إذِ الخلوُّ إنما يكون بعد الاشتغال، ولأن عتابَهم معلقٌ بمحض الخلوِّ، ولولا أنهم حاضرون عند المقاولة لوجب أن يُجعلَ سماعُهم لها من تمام الشرط، ولأن فيه زيادةَ تشنيعٍ لهم على ما أتَوْا من السكوت ثم العتاب {قَالُواْ} أي الساكتون موبّخين لمنافقيهم على ما صنعوا {أَتُحَدّثُونَهُم} يعنون المؤمنين {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} ما موصولةٌ والعائدُ محذوفٌ أي بيَّنه لكم خاصةً في التوراة من نعْت النبي صلى الله عليه وسلم والتعبيرِ عنه بالفتْح للإيذان بأنه سرٌّ مكنونٌ وباب مغلَقٌ لا يقف عليه أحدٌ. وتجويزُ كونِ هذا التوبيخ من جهة المنافقين لأعقابهم إراءةً للتصلُّب في دينهم كما ذهب إليه عصابةٌ مما لا يليق بشأن التنزيل الجليلِ، واللامُ في قوله عز وجل: {لِيُحَاجُّوكُم بِهِ} متعلقةٌ بالتحديث دون الفتح، والمرادُ تأكيدُ النكير وتشديدُ التوبيخ، فإن التحديثَ بذلك وإن كان مُنْكرًا في نفسه، لكن التحديثَ به لأجل هذا الغَرَض مما لا يكاد يصدُرُ عن العاقل أي أتحدِّثونهم بذلك ليحتجّوا عليكم به فيُبَكِّتوكم؟ والمحدّثون به وإن لأإن لم يحوموا حولَ ذلك الغرضِ لكن فعلَهم ذلك لما كان مستتبِعًا له ألبتة جُعلوا فاعلين للغرض المذكور إظهارًا لكمال سخافةِ عقولِهم وركاكة آرائهم.
{عِندَ رَبّكُمْ} أي في حُكمه وكتابه كما يقال: هو عند الله كذا أي في كتابه وشرعه، وقيل: عند ربكم يومَ القيامة، ورُدَّ عليه بأن الإخفاءَ لا يدفعه إذ هم عالمون بأنهم محجوجون يومئذ حدَّثوا به أو لم يحدثوا، والاعتذارُ بأنه إلزامَ المؤمنين إياهم وتبكيتَهم بأن يقولوا لهم: ألم تحدِّثونا بما في كتابكم في الدنيا من حقّية دينِنا وصدقِ نبيِّنا أفحشُ، فيجوز أن يكون المحذورُ عندهم هذا الإلزامَ بإرجاع الضمير في به إلى التحديث دون المحدَّث به، ولا ريب في أنه مدفوعٌ بالإخفاء لا تساعده الآيةُ الكريمة الآتيةُ كما ستقف عليه بإذن الله عز وجل: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} من تمام التوبيخ والعتابِ، والفاءُ للعطف على مقدَّر ينسحبُ عليه الكلام أي ألا تلاحظون فلا تعقلون هذا الخطأَ الفاحشَ أو شيئًا من الأشياء التي من جملتها هذا؟ فالمنْكرُ عدمُ التعقُّل ابتداءً.
أو أتفعلون ذلك فلا تعقلون بُطلانَه مع وضوحه حتى تحتاجوا إلى التنبيه عليه؟ فالمنكرُ حينئذ عدمُ التعقل بعد الفعل، هذا وأما ما قيل من أنه خطابٌ من جهة الله سبحانه للمؤمنين متصلٌ بقوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ} والمعنى أفلا تعقلون حالَهم وأن لا مطْمَعَ لكم في إيمانهم فيأباه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا} جملة مستأنفة سيقت إثر بيان ما صدر عن أسلافهم لبيان ما صدر عنهم بالذات من الشنائع المؤيسة عن إيمانهم من نفاق بعض وعتاب آخرين عليهم، ويحتمل أن تكون معطوفة على {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ} [البقرة: 5 7] الخ، وقيل: معطوف على {يَسْمَعُونَ} [البقرة: 5 7] وقيل: على قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا} [البقرة: 2 7] عطف القصة على القصة وضمير {لَقُواْ} لليهود على طبق {أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ} [البقرة: 5 7] وضمير {قَالُواْ} للاقين لكن لا يتصدى الكل للقول حقيقة، بل بمباشرة منافقيهم وسكوت الباقين، فهو إسناد ما للبعض للكل ومثله أكثر من أن يحصى وهذا أدخل، كما قال مولانا مفتي الديار الرومية في تقبيح حال الساكتين أولًا: العاتبين ثانيًا لما فيه من الدلالة على نفاقهم واختلاف أحوالهم وتناقض آرائهم من إسناد القول إلى المباشرين خاصة بتقدير المضاف، أي قال منافقوهم كما فعله البعض وقيل: الضمير الأول لمنافقي اليهود كالثاني ليتحد فاعل الشرط والجزاء مراعاة لحق النظم ويؤيده ما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة في تفسير {وَإِذَا لَقُواْ} يعني منافقي اليهود المؤمنين الخلّص قالوا: إلا أن السباق واللحاق كما رأيت وسترى يبعدان ذلك، وقرأ ابن السميقع {لاقوا}.
{وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} أي إذا انفرد بعض المذكورين وهم الساكتون منهم بعد فراغهم عن الاشتغال بالمؤمنين متوجهين منضمين إلى بعض آخر منهم وهم من نافق، وهذا كالنص على اشتراك الساكتين في لقاء المؤمنين، إذ الخلو إنما يكون بعد الاشتغال، ولأن عتابهم معلق بمحض الخلو ولولا إنهم حاضرون عند المقاولة لوجب أن يجعل سماعهم من تمام الشرط، ولأن فيه زيادة تشنيع لهم على ما أوتوا من السكوت ثم العتاب {قَالُواْ} أي أولئك البعض الخالي موبخين لمنافقيهم على ما صنعوا بحضرتهم.
{أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} أي تخبرون المؤمنين بما بينه الله تعالى لكم خاصة من نعت نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أو من أخذ العهود على أنبيائكم بتصديقه صلى الله عليه وسلم ونصرته، والتعبير عند بالفتح للإيذان بأنه سر مكتوم وباب مغلق، وفي الآية إشارة إلى أنهم لم يكتفوا بقولهم: {مِنَ} بل عللوه بما ذكر، وإنما لم يصرح به تعويلًا على شهادة التوبيخ، ومن الناس من جوّز كون هذا التوبيخ من جهة المنافقين لأعقابهم وبقاياهم الذين لم ينافقوا، وحينئذ يكون البعض الذي هو فاعل خلا عبارة عن المنافقين، وفيه وضع المظهر موضع المضمر تكثيرًا للمعنى والاستفهام إنكار ونهي عن التحديث في الزمان المستقبل وليس بشيء وإن جل قائله اللهم إلا أن يكون فيه رواية صحيحة، ودون ذلك خرط القتاد.
{لِيُحَاجُّوكُم بِهِ} متعلق بالتحديث دون الفتح خلافًا لمن تكلف له، والمراد تأكيد النكير وتشديد التوبيخ، فإن التحديث وإن كان منكرًا في نفسه لكنه لهذا الغرض مما لا يكاد يصدر عن العاقل، والمفاعلة هنا غير مرادة، والمراد ليحتجوا به عليكم، إلا أنه إنما أتى بها للمبالغة، وذكر ابن تمجيد أنه لو ذهب أحد إلى المشاركة بين المحتج والمحتج عليه بأن يكون من جانب احتجاج ومن جانب آخر سماع لكان له وجه كما في بايعت زيدًا وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر.
والكلام هذه لام كي والنصب بأن مضمرة بعدها أو بها، وهي مفيدة للتعليل ولعله هنا مجاز لأن المحدثين لم يحوموا حول ذلك الغرض، لكن فعلهم ذلك لما كان مستتبعًا له ألبتة جعلوا كأنهم فاعلون له إظهارًا لكمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم، وضمير {بِهِ} راجع إلى {بِمَا فَتَحَ الله} على ما يقتضيه الظاهر {عِندَ رَبّكُمْ} أي في كتابه وحكمه وهو عند عصابة بدل من {بِهِ}، ومعنى كونه بدلًا منه أن عامله الذي هو نائب عنه بدل منه إما بدل الكل إن قدر صيغة اسم الفاعل أو بدل اشتمال إن قدر مصدرًا، وفائدته بيان جهة الاحتجاج بما فتح الله تعالى، فإن الاحتجاج به يتصور على وجوه شتى، كأنه قيل: ليحاجوكم به بكونه في كتابه، أي يقولوا: إنه مذكور في كتابه الذي آمنتم به، وبما ذكر يظهر وجه الجمع بين قوله تعالى: {بِهِ} أي {بما فتح الله عليكم} وقوله تعالى: {عِندَ رَبّكُمْ} واندفع ما قيل لا يصح جعله بدلًا لوجوب اتحاد البدل والمبدل منه في الإعراب، وههنا ليس كذلك لكون الثاني ظرفًا والأول مفعولًا به بالواسطة، وقيل: المعنى بما عند ربكم فيكون الظرف حالًا من ضمير {بِهِ} وفائدته التصريح بكون الاحتجاج بأمر ثابت عنده تعالى وإن كان ذلك مستفادًا من كونه بما فتح الله تعالى، وقيل: عند ذكر ربكم، فالكلام على حذف مضاف، والمراد من الذكر الكتاب وجعل المحاجة بما فتح الله تعالى باعتبار أنه في الكتاب محاجة عنده توسعًا وهذه الأقوال مبنية على أن المراد بالمحاجة في الدنيا وهو ظاهر لأنها دار المحاجة والتأويل في قوله تعالى: {عِندَ رَبّكُمْ} وقيل: عند ربكم على ظاهره والمحاجة يوم القيامة واعترض بأن الإخفاء لا يدفع هذه المحاجة لأنه إما لأجل أن لا يطلع المؤمنون على ما يحتجون به وهو حاصل لهم بالوحي أو ليكون للمحتج عليهم طريق إلى الإنكار، وذا لا يمكن عنده تعالى يوم القيامة ولا يظن بأهل الكتاب أنهم يعتقدون أن إخفاء ما في الكتاب في الدنيا يدفع المحاجة بكونه فيه في العقبى لأنه اعتقاد منهم بأنه تعالى لا يعلم ما أنزل في كتابه وهم براء منه، والقول بأن المراد: ليحاجوكم يوم القيامة وعند المسائل، فيكون زائدًا في ظهور فضيحتكم وتوبيخكم على رؤس الأشهاد في الموقف العظيم، فكان القوم يعتقدون أن ظهور ذلكفي الدنيا يزيد ذلك في الآخرة للفرق بين من اعترف وكتم، وبين من ثبت على الإنكار، أو بأن المحاجة بأنكم بلغتم وخالفتم تندفع بالإخفاء يرد عليه أن الإخفاء حينئذ إنما يدفع الاحتجاج بإقرارهم لا بما فتح الله عليهم على أن المدفوع في الوجه الأول زيادة التوبيخ والفضيحة لا المحاجة وقيل: {عِندَ رَبّكُمْ} بتقدير من عند ربكم وهو معمول لقوله تعالى: {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} وهو مما لا ينبغي أن يرتكب في فصيح الكلام، وجوّز الدامغاني أن يكون {عِندَ} للزلفى أي: ليحاجوكم به متقربين إلى الله تعالى وهو بعيد أيضًا كقول بعض المتأخرين: إنه يمكن أن تجعل المحاجة به عند الرب عبارة عن المباهلة في تحقق ما يحدثونه، وعليه تكون المحاجة على مقتضى المفاعلة وعندي أن رجوع ضمير به لما فتح الله من حيث إنه محدث {بِهِ} وجعل القيد هو المقصود، أو للتحديث المفهوم من {أَتُحَدّثُونَهُم} وحمل {عِندَ رَبّكُمْ} على يوم القيامة، والتزام أن الإخفاء يدفع هذا الاحتجاج ليس بالبعيد إلا أن أحدًا لم يصرح به ولعله أولى من بعض الوجوه فتدبر. اهـ.